لم يكن شريح بن الحارث يوم ولاه عمر بن الخطاب القضاء رجلاً مجهول
المقام في المجتمع المدني، أو امرءاً مغمور المنزلة بين أهل العلم وأصحاب الرأي من
جل الصحابة، وكبار التابعين، فقد كان أصحاب الفضل وأهل السابقة يقدِّرون لشريح فطنته
الحادة، وذكاءه الفذّ، وخلقَه الرفيع، وطول تجربته في الحياة وعمقها .فهو رجل يَمَنِيُّ الموطن ، قضى شطراً غير يسير من حياته في الجاهلية،
فلما أشرقت الجزيرة العربية بنور الهداية، ونفذت أشعة الإسلام إلى أرض اليمن، كان
شريح من أوائل المؤمنين بالله ورسوله، المستجيبين لدعوة الفضيلة والحق، وكان عارفو
فضله، ومقدرو شمائله ومزاياه, يأسون عليه أشد الأسى، ويتمنّون أن لو أتيح له أن
يفِدَ على المدينة مبكراً ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يلحق بالرفيق
الأعلى، ولينهل من موارده الصافية المصفاة مباشرة بلا واسطة، ولكي يحظى بشرف
الصحبة بعد أن حظي بنعمة الإيمان، وبذلك يجمع الخير من أطرافه، ولكن ما قدر الله
كان .إذاً: ليس شريحٌ صحابياً، لقد عاش في الجاهلية، وأسلم حينما جاء النبي
بدعوته، ولكنه لم ينتقل من اليمن إلى المدينة إلا بعد أن توفى الله تعالى النبي
عليه الصلاة والسلام، إذاً: هو ليس صحابياً، ولكنه عاش الجاهلية، وعاش الإسلام .تحمل شريح مسؤولية القضاة بين المسلمين أكثر من ستين عاماً، ويكاد
يكون هذا الاسم من الأسماء المتألقة في سماء القضاء الإسلامي، لشدة ورعه، وحرصه
على إنفاذ أمر الله، وتوِّخيه العدالة التامة، فقد تَعَاقَبَ على إقراره في منصبه
كل من عمرَ بن الخطاب, وعثمانَ بن عفان ، وعليِّ بن أبي طالب، ومعاويةَ بن أبي
سفيان رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، يعد القاضي شريح من القضاة الأجلاء الذين
ازدان القضاء الإسلامي ببدائعهم.و كل إنسان مطالب بالإقتداء بشريح و يعدل بين
إخوته – أخواته – زوجته- أولاده – أصهاره– عماله – موظفيه
...........................................................................................
عاش شريح مائة و ثمان سنين و توفي رحمه الله تعالى سنة 78 هجرية و قيل 80